في سيرة النبي محمد
ولد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم عام الفيل حين حاول أبرهة الأشرم هدم الكعبة المشرفة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول على أصح الروايات و هذا التاريخ يوافق 22 أفريل 571 ميلادية توفي عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول حسب رواية ابن إسحاق ذهب في تجارة إلى الشام و وافته المنية و هو عائد من عائد منها و دفن في المدينة المنورة و زوجته آمنة بنت وهب حامل بمحمد خاتم الأنبياء و المرسلين و قال غير ابن إسحاق من كتاب السيرة أن والد محمد النبي توفي عند ميلاد ابنه محمد بشهرين و قيل ثمانية أشهر و هناك من قال تسعة أشهر أول حاضنة للرسول محمد كانت أم أيمن الحبشية ثم أرضعته حليمة لفترة و أرجعته لأمه بعد حادثة شق الصدر التي وقعت للرسول محمد و تحدث عنها القرآن الكريم و ستلتحق والدة الرسول بالرفيق الأعلى بالأبواء في طريق عودتها من يثرب حين ذهبت لزيارة إخوتها من بني النجار و دفنت هناك تاركة ابنها محمد و هو في سن الست سنوات يروي الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم وقف على قبر أمه بعد البعثة فبكى و أبكى و قال ( استأذنت ربي أن استغفر لها فلم يأذن لي، و استأذنته في زيارة قبرها فأذن لي ) كفل عبد المطلب ابن أخيه الشقيق النبي محمد بعد وفاة أمه و استمر في كفالة جده عبد المطلب إلى حين وفاته و كان الرسول محمد حينها ابن ثمانية عشر سنة فأوصى عبد المطلب قبل وفاته من ابنه أبو طالب الأخ الشقيق لوالد الرسول عبد الله الذي حن على الرسول و أحسن مأواه توفي أبو طالب عم الرسول بنحو عشر سنين بعد من البعثة المحمدية و قد أبى دخول الإسلام رغم مناصرته للرسول محمد تجاه مشركي قريش و لما كبر و استقل بنفسه الرسول محمد سيكفل و يرعى ابن عمه علي بن أبي طالب ردا لجميل عمه و لما بعث النبي محمد بالنبوة و الرسالة كان علي بن أبي طالب يعيش مع الرسول محمد في بيته .تزوج الرسول محمد صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها و كان عمره خمس و عشرون سنة و عمر خديجة أربعين عاما و هناك رواية عن ابن عباس أن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم تزوج خديجة و عمرها 28 سنة و كانت أكبر من الرسول بقليل و يستدل على هذا أن خديجة أنجبت عبد الله بعد البعثة النبوية لذا لقب بالطاهر الطيب و لكا كانت البعثة النبوية بعد زواجها بخمسة عشر سنة فعلى رواية الأربعين يستلزم أن يكون عمر خديجة عند انجاب الطاهر أكثر من خمس و خمسون سنة و يذكر اليعقوبي أيضا أن الرسول عندما تزوج خديجة كان عمره ثلاثين سنة ،توفيت السيدة خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات أي في السنة العاشرة من البعثة المحمدية و كان عمرها تجاوز الستين و في قول ابن هشام خمسة و ستون على تضارب الروايات ولدت خديجة للرسول كل أولاده عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية و أبناء الرسول من خديجة هم : الذكور : القاسم و به كان يكنى الرسول محمد ( أبا القاسم ) و عبد الله الملقب بالطيب و الطاهر و في رواية أن الطيب و الطاهر ولدين آخرين للرسول من خديجة و لكن القول الأول هو الأشهر و الأصح كما ولدت خديجة للرسول من الإناث: زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة و كل أولاد الرسول سيتوفون في حياته إلا فاطمة ستتوفى بعد وفاة والدها محمد صلى الله عليه و سلم بستة أشهر تقريبا لم يكن الرسول محمد منذ شبابه متزوجا بغير خديجة التي لم يتزوج عليها إلا بعد وفاتها رضي الله عنها .بدأ نزول الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لإحدى و عشرين مضت من شهر رمضان ليلا و يوافق هذا اليوم بالتاريخ الميلادي 10 أوت 610 م و كان عمر الرسول محمد حينها أربعين سنة قمرية و ستة أشهر و إثنى عشرة يوما و بالتقويم الشمسي كان عمر الرسول محمد عند نزول الوحي عليه لأول مرّة في عار حراء تسع و ثلاثين سنة و ثلاثة أشهر و اثنى عشرة يوما .مرّت الدعوة المحمدية بأربعة مراحل: المرحلة الأولى الدعوة السرية و استمرت ثلاث سنوات أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الجهر بالدعوة و الاقتصار على الدعوة باللسان فقط و ستستمر هذه المرحلة إلى الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة مع التذكير أن الهجرة الأولى كانت إلى الحبشة و لم يشارك فيها الرسول محمد صلى الله عليه و سلم بل شارك فيها مجموعة من الصحابة هربا من اضطهاد و تعذيب قريش لهم و للمؤمنين بالدعوة المحمدية أما المرحلة الثالثة فكانت الدعوة جهرا مع قتال المعتدين و البائدين بالاعتداء على المسلمين و إبطان الشر لهم و بقتالهم أو العزم على ذلك أما المرحلة الرابعة فهي الدعوة جهرا مع قتال من وقف في وجه نشر الدعوة المحمدية و منع النّاس من الدخول في الإسلام رغم إنذاره من عواقب هذا الصنيع .كان العرب في الفترة ما قبل مجيء الإسلام يعبدون الأصنام و يتقربون لها بذبح القرابين و بتعظيمها و قد كان زمن البعثة المحمدية ثلاثمائة و ستون صنما حول الكعبة المشرفة معتقدين أنها ستقربهم إلى الله زلفى كما كانوا يتطيرون فإذا أراد أحدهم زواجا مثلا أو سفرا أو تجارة فإن رأى طيرا في السماء متجه يمينا استبشر و مضى للقيام بذلك العمل و إن شاهد الطائر في الهواء متجه شمالا تطير و أحجم عن السفر أو التجارة أو الزواج و ترك المضي فيها بدعوى التطير و اعتقاد الشر كما كان العرب قديما و قبل نزول الرسالة المحمدية يتشاءمون من سماع صوت البومة كما كان أهل الجزيرة العربية قبل البعثة يدينون بالولاء إما للروم أو الفرس أو للأحباش القوى الكبرى في زمانهم أما عن الحروب و الغارات بين القبائل العربية فحدث و لا حرج فحرب البسوس دامت ثلاثين سنة بسبب ناقة وطئت بيضة طائر ( قبّرة ) فكسرتها أما حرب داحس و الغبراء و التي دامت أربعين سنة بسبب فرسا غلب و سبق فرسا آخر في سباق و كان في فترة قبل البعثة التي أطلقها عليها البعض فترة الجاهلية يطوفون بالكعبة عراة نساء و رجالا إن لم يمنّ عليهم اهل قريش بثياب من عندهم إذ كان المعتقد السائد عندهم أن ثيابهم التي عليهم عصوا الله فيها لذلك لا تصلح أن يطاف بها ، كما انتشر في بعض القبائل العربية في فترة الجاهلية وأد البنات إما خوفا من الوقوع في الفقر أو خشية وقوع البنات في الأسر عند وقوع غارة على القبيلة فيجلب ذلك لهم العار و أجمل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حالة العرب في الجاهلية عند وقوفه أمام النجاشي في الهجرة الأولى إلى الحبشة : ( كنّا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة و نأتي الفواحش و نقطع الأرحام و نسيء الجوار و يأكل القوي من الضعيف ) رواه الإمام أحمد. من الأسماء التي خلدت بذكرها في القرآن الكريم لكثرة إيذائها للرسول محمد و أصحابه في مكة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة أبو جهل و اسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و هو أحد أشراف قريش و كبارها كانوا يلقبه أهل قريش بأبي الحكم و لأنه أخطأ كثيرا مع الرسول و مع أصحابه لقّبه الرسول محمد بأبي جهل و نزلت فيه آية من القرآن ( إنّ شانئك هو الأبتر ) إذ بعد وفاة القاسم ابن النبي محمد صلى الله عليه و سلم ظنّ الكفار أن محمدا النبي سينقطع ذكره بموت ابنه و سيذل فأنزل الله هذه الآية و سورة الكوثر للرد عليهم و قال المفسرون أن المراد بقوله تعالى ( شانئك ) -أي عدوك – هو أبو جهل . و ممن خلد ذكرهم في القرآن أيضا لإيذائه للرسول و أهله و بناته و للمسلمين أبو لهب و هو عمّ الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و اسمه عبد العزّى بن عبد المطلب و هو الأخ غير الشقيق لوالد الرسول صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عبد المطلب و كنيته أبو لهب لوسامته و إشراق وجهه بسبب احمرار وجنتيه و أبو لهب من الأوائل الذين أعلنوا صراحة و التجأوا إلى استعمال العنف بكل ألوانه و أشكاله تجاه الرسول محمد و أصحابه محاولين منع الناس من دخول الإسلام فنزلت فيه – أي أبو لهب- سورة المسد