من خلق الله

من خلق الله ؟
هذا السؤال يدور في ذهن بعض الناس ، إذ يقولون ما دام كلّ شيء بحاجة إلى خالق ، اذن من خلق الله ؟ والجواب على ذلك :
أوّلاً : إنّ الله سبحانه وتعالى ( قديم ) أى غير مسبوق بالعدم فهو أزلي سرمدي ، كان منذ الما لانهاية ، قبل أن يكون الزمان أو المكان ، وهو الذي خلقهما فيما بعد . ولأنّ وجوده كان دائماً ، ولم يسبقه عدم أو زوال، فلذلك لا يحتاج إلى خالق أو موجد ،لأنّ وجوده نابع من ذاته . أمّا المخلوقات الأخرى فهي (حادثة ) لأنّها وجدت في زمان معين ، حتى لو كان هذا الزمان قبل أربعة عشر مليار سنة . ولأنّها لم تكن ثُمّ كانت فهي تحتاج إلى مكون وموجد لها .
ثانياً : اتضح من الشرح السابق أنّه ليس كلّ الموجودات بحاجة إلى خالق و موجد و إنّما (الموجود الممكن) يحتاج إلى علة لوجوده ، أمّا الله سبحانه و تعالى فإنّه (واجب الوجود) فلا يحتاج إلى علة خارجية لوجوده ، فهو موجود دائماً و أبداً ، و كان و لم يزل و لا يزال موجوداً ، وهو القديم الأزلي السرمدي الذي وجوده نابع من ذاته و ليس عارضاً عليها .
و لزيادة توضيح الفكرة من المفيد أن نتعرف على معنى الصفة الذاتية و الصفة العرضية و الفرق بينهما لكي يحل الإشكال بشكل كامل.
الصفات الذاتية و الصفات العرضية:
الصفات الذاتية هي الصفات الضرورية للذات الموجودة ، وبدونها لا يمكن لها أن تبقى موجودة .
أمّا الصفات العرضية فهي الصفات التي تطرأ على الموجود وبذلك تكون زائدة على الذات . وبما أنّ وجودها ليس أساسياًَ ، لذلك يمكن أن تسلب منه أو تستبدل بغيرها من دون أن يؤثر ذلك على وجود الموجود .
ومن خصائص الصفات الذاتية أنّها لا تحتاج إلى علة لوجودها سوى الذات نفسها. أمّا الصفات العرضية فهي بحاجة إلى علة أخرى ذاتية تستمدّ وجودها منها وهذا ما يعبر عنه في الفلسفة بأنّ ( ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ) . فالقطن الأبيض لا يحتاج إلى سبب لبياضه سوى ذاته البيضاء لأنّا افترضنا أنّه أبيض. وبدون صفة البياض سوف يفقد القطن الأبيض وجوده كأبيض . أمّا لو صبغ القطن الأبيض باللون الأحمر- مثلاً – فيصحّ لنا أن نسأل لماذا صار القطن أحمراً ؟ لأنّ اللون الأحمر عارض عليه وليس ذاتياً له . ولكنّ اللون الأحمر بدوره يجب أن ينتهى إلى ما هو أحمر بالذات مثل الدم مثلاّ لأنّ طبيعة الدم أن يكون أحمراً .
ومثال آخر فأنّ كلّ شئ حلو يستمدّ حلاوته من وجود السكّر فيه ، أمّا السكّر نفسه فإنّه حلو لذاته ، ولا يحتاج إلى سكر آخر لتحليته. وهكذا بالنسبة إلى النور فإنّ كلّ شيء مضاء بسبب وجود النور وانعكاسه عليه ، أمّا النور نفسه فإنّه مضيء بنفسه وليس بسبب آخر خارج عن ذاته . وكذلك بالنسبة إلى الماء فإنّه رطب بذاته ولا يصحّ أن نسأل لماذا الماء رطباًَ أو سائلاً . ولكن لو كانت يديّ مبتلة أو الطاولة مبتلة فإنّه يمكن الاستفهام عن سبب البلل فيهما، لأنّ يدىّ والطاولة جافان ذاتياً ، والبلل عارض عليهما، ولذلك من حقنا أن نسأل عن السبب في بللهما . وحينما نجيب بأنّ سبب البلل هو سكب الماء عليهما فلا يسأل أحد ولماذا صار الماء مبتلاً؟ لأنّه يعلم أنّ البلل من الصفات الذاتيه للماء و ( الذاتي لا يعلل ) لأنّ علته نابعة من ذاته وليست عارضة عليه .
وبعد أن عرفنا معنى الصفات الذاتية يتوضح لدينا الجواب بأنّ وجود الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى علة خارجة عن ذاته ، لأنّ علة وجوده هي ذاته المقدسة جلّ وعلا لأنّه (واجب الوجود)وذاته كانت ولا تزال موجودة ولا يمكن تصوّر العدم بشانها مهما تغيرت الظروف .
لذلك يمكن القول بأنّ كلّ شيىء موجود بالله سبحانه وتعالى ، والله موجود بنفسه .

 الأدلة الحسية :

وجود الحوادث الكونية ، وذلك أن العالم من حولنا لابد وأن تحصل فيه حوادث فمن أول تلك الحوادث  حادثة الخلق ، خلق الأشياء ، كل الأشياء من شجر وحجر وبشر وأرض وسماء وبحار وأنهار ......

فإن قيل هذه الحوادث وغيرها كثير من الذي أوجدها وقام عليها ؟

فالجواب إما أن تكون وجدت هكذا صدفة من غير سبب يدعو لذلك فيكون حينها لا أحد يعلم كيف وجدت هذه الأشياء هذا احتمال ، وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الأشياء أوجدت نفسها وقامت بشؤونها , وهناك احتمال ثالث و هو أن لها موجداً أوجدها وخالقاً خلقها ، وعند النظر في هذه الاحتمالات الثلاث نجد أنه يتعذر  ويستحيل الأول والثاني فإذا تعذر الأول والثاني لزم أن يكون الثالث هو الصحيح الواضح وهو أن لها خالقاً خلقها وهو الله ، وهذا ما جاء ذكره في القرآن الكريم قال الله تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) الطور/35

ثم هذه المخلوقات العظيمة منذ متى وهي موجودة ؟ كل هذه السنين من الذي كتب لها البقاء في هذه الدنيا وأمدها بأسباب البقاء ؟

الجواب هو الله ، أعطى كل شيء ما يصلحه ويؤمن بقاءه ، ألا ترى ذلك النبات الأخضر الجميل إذا قطع الله عنه الماء هل يمكن أن يعيش ؟ كلا بل يكون حطاماً يابساً وكل شئ إذا تأملته وجدته متعلقاً بالله ، فلولا الله ما بقيت الأشياء .

طريق الاستدلال:

أما طريق الاستدلال ففي قوله تعالى: {إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنّهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} (سورة البقرة). فهذه الآية تدعو إلى التفكر في مخلوقات الله الدالة على وجود الخالق العظيم الذي أحسن كل شىء صنعا.

الخبر الصادق للنبيّ المؤيد بالمعجزة:
وأما الخبر الصادق للنبيّ المؤيد بالمعجزة فهو دليل على إثبات وجود الله. فالله تعالى أرسل رسلا من البشر مبشرين ومنذرين وكان الرسول منهم يدعو الناس لعبادة الله خالق كل شىء، فمنهم من ءامن بدعوته ولم يطلب دليلا على صدقه، ومنهم من عاند وطلب من النبيّ إظهار معجزة تدل على صدقه كقوم نبي الله صالح.
فتظهر المعجزات دليلا على صدق النبيّ أمام رهط كبير من الناس لا يتصور في العقل تواطؤهم على الكذب فيرون المعجزة فينقلونها إلى غيرهم.

الدليل العقلي:
أما الدليل العقلي المحض على وجود الله فيتضح يإثبات حدوث العالم: فالأجسام حادثة ليست أزلية فإننا نحسّ بأنها مبنية على الحاجة والافتقار إلى غيرها وكلّ ما كان كذلك فهو حادث لأنّ القديم يستغني بقدمه عن غيره. فنحن نرى الأجسام محتاجة إلى من يصرّفها ويدبّرها بإصلاح ما فسد منها، نراها عاجزة عن إصلاح نفسها بذاتها حتى في حال كمالها وقوتها ونراها محتاجة إلى من يقهر طبائعها المتضادة المتنافرة على الاجتماع ويجمعها بلا تفاسد. والإنسان يخلق في بطن أمه ثم يخرج وهو لا يعلم شيئا ولا يتكلم ولا يمشي فيأخذ في النمو شيئا فشيئا فيتطور فتحصل له قوة يمشي بها وكلام ويحصل له علم يتجدد له شيئا فشيئا حتى نشأ طفلا ثم صار شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما.

انتقل من ضعف إلى قوة ثم إلى ضعف فلا يعقل أن يكون طور نفسه بنفسه، ولا يعقل أيضا أن يكون الأب طوّر الابن ولا يعقل أيضا أن تكون الطبيعة مطورته. ولا يصحّ في العقل أيضا أن يكون تطوّره بدون مطوّر فثبت بطلان هذه التقديرات ووجب أن يكون بتطوير مطوّر موصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، وجوده قديم أزلي، وذلك المطوّر هو المسمى الله.

سبحان الخالق العظيم:
وقد سئل أحد العلماء عن الدليل على وجود الله تعالى فقال: "ورقة التوت ريحها ولونها وطبعها واحد عندكم، فقالوا: نعم، قال: يأكل منها النحل فيخرج العسل وتأكل منها الشاة فتخرج البعر ويأكل منها الدود فيخرج الحرير ويأكل منها الظباء فيتكون فيه المسك".
فمع أنّ لونها وطعمها ورائحتها واحد مع ذلك خرج منها ما تحول إلى أشياء تختلف في اللون والطعم والرائحة، فطعم الحرير غير طعم العسل وغير طعم البعر وغير طعم المسك، إذاً لا بدّ لهذه الأشياء من خالق خلقها وطوّرها في بطون الحيوانات إلى أشياء مختلفة في اللون والطعم والرائحة والفائدة وهو المسمى الله فسبحان الخالق العظيم.

دليل: الـ big bang  الإنفجار العظيم يثبت أن هذا العالم له بداية وله نهاية وهذا دليل كبير وقوي على إثبات وجود الله لان ليس معقول أن هذا العالم يصدر نفسه بنفسه فهناك فاعل له