في الأشعرية
ولد أبو الحسن الأشعري بالبصرة سنة 260 هجرية الموافق 874 ميلادية و توفي في 324 هجرية الموافق 936 ميلادية و دفن ببغداد .عاش الأشعري ملازما لزوج أمه شيخ المعتزلة في زمانه أبي علي الجبائي فعنه أخذ الأشعربي مذهب الاعتزال و تبحر فيه حتى صار إماما من أئمة المعتزلة البارزين كان أبو الحسن الأشعري معتزليا و أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة و فجأة غاب عن الناس خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الجامع في البصرة و صعد المنبر بعد صلاة الجمعة فقال: معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المرة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة و لم يترجح عندي شيء فاستهديت الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه و انخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما أنخلع من ثوبي هذا.يتساءل البعض هل بخروج الإمام الأشعري من مذهب الاعتزال يكون على مذهب أهل السنة و الجماعة أم أنه أتى بمذهب خاص به هو مذهب وسط بين الاعتزال و أهل السنة يجيب العلامة ابن خلدون على هذا التساؤل بقوله : ( توسط الأشعري بين الطرق و نفى التشبيه و أثبت الصفات المعنوية و قصر التنزيه على ما قصره عليه السلف ة شهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات بطريق النقل و العقل و رد على المبتدعة في ذلك كله )خرج الإمام الأشعري من مذهب الاعتزال و لكن ذلك لا يعني أنه أصبح من مدرسة النقل التي تحط من مكانة العقل و لا تقر له بدور عند التعامل مع النصوص الدينية بل إن الطريقة التي توخاها الأشعري هي جعل العقل يتقيد بالنقل و شرح النقل بالعقل لذلك سيصوغ الإمام الأشعري عقائد أهل السنة بطريقة عقلية و هذا المنهج سيحدث تحولا بارزا في الفكر الإسلامي إذ الأشعري جعل أهل السنة يعترفون بعلم الكلام كعلم من علوم الدين بعد أن كان علما منبوذا أنكروه من قبل على المعتزلة لقد استطاع أبو الحسن الأشعري بتوسطه بين العقل و النقل في مباحث العقيدة أن يجعل غالبية من أهل السنة تدين بالمذهب الأشعري في العقيدة و تتبنى مقولاته.عاش الإمام الأشعري في العصر العباسي الثاني و هو عصر ضعف الخلافة و الخلفاء العباسيين الثلاثة الذين عاصرهم الإمام أبو الحسن الأشعري و هم المعتضد المتوفى في 289 هجرية و الذي أفلس الدولة عند زواجه بابنة خمارويه بن أحمد بن طولون و اسمها قطر الندى كما عاصر الإمام أبي الحسن الأشعري الخليفة الذي منع بيع كتب الفلسفة و كتب الاعتزال و ما شاكلها من الكتب العقلية و هو الخليفة المقتدر المتوفى 320 هجرية أما الخليفة الثالث الذي عاصره الإمام أبي الحسن الأشعري فهو الخليفة القاهر المتوفي في 339 هجرية قبيح السيرة سافك الدماء رغم كل هذه الظروف السياسية و ما تميزت به من تسلط و ظلم و سوء تدبير لموارد الخلافة و معاداة للعلماء و العلوم العقلية لم يروى أن الإمام أبي الحسن الأشعري انتقد أي خليفة من هؤلاء الخلفاء الذين عاصرهم رغم كل ما صدر عنهم و ما طبع فترة حكمهم فالإمام الأشعري كان حليفا سياسيا إلى جانب كونه فقيها و عالم كلام حاول التوسط بين مدرستين فكريتين متصارعتين في عصره و هما مدرسة العقل و مدرسة النقل .لقد كان الإمام أبي الحسن الأشعري يحذر في مقولاته من تكفير المسلمين لاختلاف في رأي أو تفسير لنص ديني و مما جاء على لسانه و في كتاباته ( نرى أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ،كالزنا و السرقة،و شرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج، و زعموا أنهم بذلك كافرون ،و نقول : إن من عمل كبيرة من الكبائر و ما شابهها مستحلا لها كان كافرا إذا كان غير معتقد تحريمها ) يقول زاهر بن أحمد السرخسي ( لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد ،دعاني فأتيته ،فقال : أشهد علي أنّي لا أكفر أحدا من أهل القبلة ، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد ، و إنما هذا كلّه اختلاف العبارات ). لقد كان الإمام أبي الحسن الأشعري يدعو إلى البحث عن الحقيقة بعيدا عن التعصب و لقد كان يعتمد في مدرسته الفكرية على النص كتاب و سنة أصلا وحيدا في الشرعيات أما العقل فمجاله العقليات و يقتصر دوره في الشرعيات في إثبات صدقها أوّلا ثم فهمها الفهم الصحيح ثانيا و بعد الفهم العمل بمقتضى الشرعيات لقد استدل . سيتطور مذهب الأشعري مع متأخري الأشاعرة الذين سيخالفون الأشعري في الكثير من المسائل حتى قال بعضهم: ( لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء ) للأشاعرة مقولة مشهورة ( مذهب السلف أسلم و مذهب الخلف أعلم ) و من أبرز علماء الأشاعرة و أعلامهم الذين سيساهمون في تقعيد المذهب و نشره نذكر: أبو الحسن الطبري المتوفي 380 هجرية و هو من تلاميذ أبي الحسن الأشعري و من علماء المذهب الأشعري و منظريه أيضا أبو بكر الباقلاني المتوفي في 403 هجرية تتلمذ على تلاميذ أبي الحسن الأشعرى ثم فاقهم علما و شهرة .يعتبرأبو بكر الباقلااني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري إذ الباقلاني هو من قعد للمذهب الأشعري قواعده و وضع مقدماته الكلامية و من كبار علماء الأشعرية و أئمتهم نذكر أيضا محمد بن الحسن بن فورك المتوفي 406 هجرية و قد درس على أبي الحسن الباهلس تلميذ أبي الحسن الأشعري و من أعلام المذهب الأشعري إلى جانب كل من سبق ذكرهم نذكر أبو المعالي الجويني إمام الحرمين ولد سنة 419 هجرية و توفي 478 هجرية و كان الإمام الجويني من أعلام الشافعية في الفقه و من أعلام الأشعرية في أصول الدين و أبو حامد الغزالي المتوفي 505 هجرية كان إلى جانب أبو الفتوح الشهرستاني المتوفي 548 هجرية و يروى عنه أنه قال في أواخر حياته ( عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز ) و هذا القول قريب من قول العالم الأشعري أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي و كان يعرف بابن الخطيب الري توفي 606 هجرية و كان يقول ( من التزم دين العجائز فهو الفائز ) من الأوائل الذين نشروا المذهب الأشعري بإفريقية و خاصة بالقيروان أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الزبيدي المعروف بالقلانسي المتوفي 359 هجرية و قد كان ابن أبي زيد القيرواني على صلة علمية بأبي عبد الله بن مجاهد البصري المتوفي 370 هجرية و هو من تلاميذ الإمام أبي الحسن البصري و هذا ما جعل بعض العلماء يثبتون بتبني ابن أبي زيد القيرواني للمذهب الأشعري كما ساهم أبو الحسن القابسي المتوفي في 403 هجرية و المتتلمذ على أبي بكر الباقلاني . رغم أن أتباع الإمام الأشعري من علماء كل عصر أضافوا تدقيقات و تفصيلات و اخيارات إلى المذهب الأشعري فإن الأشاعرة يشتركون في النقاط التالية: أوّلا : -احترامهم النصوص قرآنا و سنة كمصادر أساسية للتشريع و العقيدة الإسلامية يقول الإمام الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة (قولنا الذي نقول به و ديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز و جل و بسنة نبينا صلى الله عليه و سلم و ما روي عن السادة الصحابة و التابعين و أئمة الحديث ) ثانيا: حمل النصوص على ظاهرها مبدئيا و عدم اللجوء إلى التأويل إلا إذا أوجبته ضرورة تنزيه الخالق عز و جل عما لا يليق به من الصفات ثالثا: تأييد معاني العقيدة التي وردت بها النصوص الشرعية بالبرهان العقلي الذي يوظف كل ما يمكن أن ينصر العقيدة السببية كالمعطيات الكونية و الطبيعية و المنطق و الفلسفة و ثقافة العصر عموما. يقوم الفكر الأشعري على: - إثبات صفات أزلية لله زائدة على الذات كالعلم و القدرة و الإرادة ....و ما جاء في القرآن و الحديث الصحيح من الصفات الخبرية الموهومة لتشبيه الله بخلقه و تجسيمه كالاستواء على العرش فيثبت الأشاعرة صفة الاستواء بلا كيف و يفوضون الأمر لله تعالى في العلم بذلك و مرجعهم في ذلك قول أم سلمة رضي الله عنها : ( الاستواء غير مجهول و الكيف غير معقول و الإقرار به إيمان واجب و الجحود به كفر) و إثبات الوجه و اليد ، يقع تأويله بما تدل عليه من السيطرة و القدرة و الذات – القرآن كلام الله قديم باعتباره كلاما نفسيا قائما بذات الله تعالى و هو صفة من صفات الله أما الأصوات و الحروف فهي حادثة - أفعال العباد خيرها و شرها من حلق الله فيه .- رؤية الله بالأبصار ثابتة في الآخرة – مرتكب الكبيرة يظل مؤمنا و لكنه يعاقب في الآخرة – الحوض و الميزان و البرزخ و الشفاعة حق- مذهب الأشعرية في مسألة أفعال العباد أي مسألة القضاء و القدر أن الله تعالى قد كتب على كل نفس ما مصيرها في الآخرة الجنة أو النار و لكن ذلك ليس بظلم من الله تعالى للعباد حاشاه و لكنه قد خلق الأفعال و البشر يختارون أفعالهم من غير إجبار منه و في ذلك براءة من كلام من يقول إن الأشاعرة يقولون بالجبر مثل الجبرية يعنى أن الله تعالى قد خلق الأفعال و بالتالي فالبشر مجبرون على أن يفعلوها و هذا بعبارة أو بأخرى ينسب الظلم لله سبحانه و تعالى عن هذا القول علوا كبيرا .في مسألة خلق القرآن للإمام الأشعرى موقف وسط بين القائلين بخلق القرآن و بين القائلين بقدمه إذ رد على القائلين بحدوث القرآن و خلقه : أنتم على حق إذا كنتم تقصدون بخلق القرآن اللفظ و التلاوة و الرسم و ليس لكم مجال أن تنفوا الصفة القديمة القائمة به تعالى و هو الكلام من غير لفظ و لا حرف و لا صوت و قال الأشعريى للقائلين بالقدم : أنتم مصيبون إذا كان مقصودكم بالقديم الصفة القائمة بذات البارئ –يعنى الكلام النفسي- و ليس لكم مجال أن تنكروا حدوث لفظ اللافظ و تلاوة القارئ .و يمكن تلخيص المبادئ الأساسية للعقيدة الأشعرية: 1- الله واحد لا شريك له قديم لا أول له .2- الله يعلم الواجب و الجائز و المستحيل و هو سبحانه و تعالى محيط بكل شيء ماضيا و حاضرا و مستقبلا..3- القرآن هو كلام الله تعالى بالحقيقة قديم أزلي و من حيث هو ألفاظ تنقل و تسمع فهو محدث و مخلوق 4- أفعال العباد كلها مخلوقة و الله تعالى هو خالقها و العبد عاجز عن خلق أعماله، إلا أن للإنسان قدرة على الأفعال الإرادية فقط و الإنسان كاسب لهذه الأفعال ينال الثواب و العقاب عليها -.5- السبيبة الحقيقية لكل ما يحدث ليست النظام المقرر و النواميس الطبيعية بل هو الله سبحانه و تعالى