في تلازم أركان العقيدة

الركن لغة هو الجانب الأقوى للشيء أما اصطلاحا فهو ما لا وجود لذلك الشيء إلا به وهذا يجعلنا نقول العقيدة الإسلامية لا تصح إلا بعد الإقرار و التصديق الجازم بكل أركانها الستة .

تعرف العقيدة بأنها ما انعقد عليه القلب و صدق به و ما ينعقد عليه القلب و يصدق به قد يكون نتيجة لتوهم غير حقيقي كم يمكن أن يكون نتيجة لدليل صادق و من هنا نتبين أن العقيدة كما تكون صادقة قد تكون فاسدة و باطلة و قد عرف علماء الإسلام العقيدة بأنها الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه الشك لدى معتقده و هو أيضا إيمان مطابق للواقع ناشئ عن دليل المتماشي لاو المستجيب مع الفطرة الإنسانية السليمة ، نتبين من هذا التعريف أن الإيمان في الإسلام ليس إيمان عجائز و لا إيمان عن طريق مجرد الإتباع و التقليد الأعمى للآباء و الأجداد .العقيدة الإسلامية هي اعتقاد جازم بأركان الإيمان الستة و هي أصول الدين و ثوابته ،أوّل هذه الثواب و مرجع و أصل كل بقية أركان العقيدة الإيمان بالله الواحد الأحد المتصف بكل صفات الكمال الذي أمرنا بالتصديق بالملائكة و الكتب السماوية و بكل الرسل دون تفريق أو تمييز بينهم عليهم الصلاة و السلام أجمعين كما أوجب الله على عباده المؤمنين الإيمان باليوم الآخر و بالقضاء خيره و شره. قال تعالى في الآية 10 من سورة ..... ( ليس البِرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البِّرَّ من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيِّين ) كما قال جلّ من قائل في سورة النساء : ( و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر فقد ظل ظلالا مبينا ) أما في أواخر سورة البقرة و بالتحديد الآية 285 قال تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله لا نفرّق بين أحد من رسله و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير ) فالرسول محمد صلى الله عليه و سلم و أتباعه من المؤمنين صدقوا تصديقا جازما بكل أركان الإيمان التي أمر الله سبحانه و تعالى عباده المؤمنين التصديق بها .في الآية 285 من سورة البقرة لم يذكر الركن السادس من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالقضاء خيره و شره  صراحة و قد ذكر بعض مفسري القرآن الكريم أن  الإيمان بالله تعالى يتضمن الإيمان بالقضاء و القدر إذ القدر عائد إلى علم الله تعالى و إلى تقديره للمقادير بمشيئته و قدرته و خلقه و كل هذا داخل في الإيمان بالله و من أدلة القدر الخاصة عند بعض المفسرين قوله تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر )  .  الركن السادس و هو الإيمان بالقضاء خيره و شره ورد بالتصريح لا بالتلميح  في حديث و حوار جبريل مع الرسول محمد  و سؤاله عن الإيمان فأجاب محمد عليه الصلاة و السلام جبريل بحضور بعض الصحابة  بقوله: ( أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تؤمن بالقضاء خيره و شرّه) إن الإيمان في الإسلام ليس مجرد النطق بالشهادتين و التصديق بأركان الإيمان الستة فحسب بل هو كل لا يتجزأ فهو إلى جانب أنه اعتقاد بالجنان أي القلب و يشار به إلى العقل  هو أيضا نطق بالّسان و أثر هذين سيكون العمل بالجوارح لتطبيق و تجسيد الأركان في السلوك و الواقع الفردي و الاجتماعي . الإيمان بأركان العقيدة الست يستتبع بعضها بعضا بمعنى أن من آمن ببعضها و كفر أي أنكر و لو ركنا واحدا من الأركان الست فهو كافر بجميع الأركان قال تعالى ( إن الذين يكفرةن بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا أولائك هم الكافرون حقا و اعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) النساء 150-151  ، إن عقيدة التوحيد التي أكد عليها الإسلام  هي في الحقيقة عقيدة اتفقت عليها كل الرسالات الإلهية فكل الرسل و الأنبياء دعوا إلى توحيد الله و تنزيهه عن كل صفات النقص كما دعوا إلى الإيمان بالآخرة و الحساب و الجنة و النار و غيرها من المسائل الغيبية قال تعالى في الآية 13من سورة الشورى : ( شرّع لكم من الدين ما وصّى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصّينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدّين الدين و لا تتفرّقوا فيه) و قال تعالى في الآية 25 من سورة الأنبياء : ( و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون ). من خصائص العقيدة الإسلامية أنها إلهية المصدر مستندها الأول الوحي القرآني ثم السنة النبوية فهي توقيفية لا تجاوز فيها للنصوص المثبتة لها بالوحي بعبارة أخرى لا اجتهاد في العقيدة قال تعالى ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) و إلى جانب أن العقيدة الإسلامية توقيفية فهي أيضا غيبية أي أن منطلقاتها و أصولها من عَالِمِ الغيب و هو الله سبحانه و تعالى كما أن العقيدة الإسلامية تستجيب للفطرة الإنسانية السليمة و نعنى بالفطرة الجبلّة و الطبيعة التي خلق عليها الإنسان و من خصائص العقيدة الإسلامية أيضا الثبات فلا يسمح لا بالزيادة و لا بالإنقاص من أركانها فهي عقيدة لا تتغير و تبقى كما وردت في النص قرآنا و سنة صحيحة قال تعالى ( فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة الله التي  فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون ) الآية 30 من سورة الروم.و من خصائص العقيدة الإسلامية أنها عقيدة مبرهنة تقوم على الحجة و الدليل بعيدا عن الإجبار و الإلزام احتراما للإنسان و العقل الإنساني قال تعالى : ( يا أيّها النّاس قد جاءكم برهان من ربّكم و أنزلنا إليكم نورا مبينا ) النساء 174و قال جلّ من قائل في الآية 117 من سورة المؤمنون ( و من يدع مع الله إلها لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه إنّه لا يفلح الكافرون ) .تتميّز العقيدة الإسلامية بالوضوح و السهولة و اليسر فلا غموض و لا تعقيد في العقيدة الإسلامية  يروى أنّ أعرابيا جاء للرسول محمد صلى الله عليه و سلم و كان ذلك الأعرابي لا حظّ له من العلم فقال للرسول : عظني و لا تطل ، فاكتفى الرسول صلى الله عليه و سلم  بقراءة آيتين فقط على مسامع الأعرابي  و هي قوله تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيلرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ). الإنسان في النظرة القرآنية هو خليفة الله في الأرض كرّم بأمانة الاستخلاف التي عجزت عن تحملها السماوات و الأرض ،الإنسان في النظرة القرآنية لم يخلق عبثا بل خلق لهدف و غاية و الموت ليس نهاية المطاف بل هو بداية لحياة أخرى فإما جنة و إما نار بعد حساب عادل على ما قدم و ما فعل الإنسان في دنياه دار الاختبار و الامتحان قال تعالى ( أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا و انّكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) .عقيدة الآخرة خير دافع و خير مانع للإنسان المؤمن فهي تدفعه إلى فعل الخيرات و التحلّي بالمبادئ و القم الإنسانية  و في مقدمتها العدل و المساواة و الحرية و عدم الاستبداد بالرأي و اجتناب كل مظاهر الظلم و العدوان .يروى أن زوجة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين و ثامن الخلفاء الأمويين دخلت عليه مصلاه في غرفته فرأته يبكي قالت الزوجة لزوجها مستفسرة : ما يبكيك؟ فأجابها عمر بن عبد العزيز قائلا: دعني و شأني .فألحت الزوجة في سؤال ثانية و ثالثة زوجها لمعرفة سبب بكائه فقال عمر بن عبد العزيز بعد الحاح من زوجته: فكرت في المريض و الفقير و الأرملة و المسكين و الشيخ الفاني و ذي العيال الكثير- و ذكر لها أكثر من ثلاثين نوعا من حالات مأسوية اجتماعية ثم قال-: فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعا و أن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي ، لهذا أبكي . هذا هو مثال حي و واقعي من أثر الإيمان على المؤمن إن صدق إيمانه و وصل إلى مرتبة الإحسان التي عرّفها رسول الله بأن يعبد – المؤمن – الله كأنّه يراه فإن لم يكن يراه فهو –أي الله – يراه .جاء في صحيح مسلم فول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من مات و هو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنّة ) هذا الحديث دفع البعضكالمرجئة بزعامة الجهم بن صفوان  إلى القول أن مجرد معرفة الله سبحانه و تعالى بالقلب كاف لدخول الجنّة و هذا غير صحيح فالإيمان الحقيقي ليس بالتمني و لا بالتحلى و لكن ما وقر في القلب و صدّقه العمل الصالح الذي يعود على الفرد و المجتمع الإنساني و الكون بالفائدة عن سفيان الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرَكَ قال صلى الله عليه و سلم : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) و الحديث الذي استشهد به الجهمية على أن مجرد معرفة القلب كاف  في دخول الجنّة عند التمعن فيه نجد كلمة ( يعلم ) و من يعلم حقيقة الإلوهية و صفات الخاق و فضله و نعمع عليه و على كل المخلوقات فإنه يطيعه و يحسن عبادته و يرضخ لكل أوامره و يجتنب كل نواهيه. و ذهب الخوارج و المعتزلة إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار و عرف العلماء الكبيرة بما كان فيه حد أي عقوبة اجتماعية تطبقها الدولة أو جاء فيها وعيد في الآخرة بالعذاب أو الغضب أو كان فيه تهديد و لعن إلهي لفاعله. و القول بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار مردود بقوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و من يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ) سورة النساء الآية 48  و جاء في حديث أبي ذر الغفاري  الذي رواه الإمام البخاري و الإمام  مسلم في صححيهما : ( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنّة قلت- أي أبا ذر- : و إن زنا و إن سرق ؟ فقال صلى الله عليه و سلم: و إن زنا و إن سرق فقلت – أي أبا ذر مرة ثانية- و إن زنى و إن سرق ؟قال صلى الله عليه و سلم – ثانية- و إن زنا و إن سرق و في الرابعة قال الرسول لأبي ذر الذي ألح و أعاد السؤال لأربع مرات : على رغم أنف أبي ذر )